الصفحات

الاثنين، 8 مايو 2017

مقال نظرات في التطور التاريخي والسياسي للحركة النقابية في المغرب - عبد اللطيف المنوني



  

    المقال المنشور اسفله كتبه عبد اللطيف المنوني ومأخوذ عن مجلة الطريق العدد الثالث/الرابع، غشت/آب عام 1980، صفحة 247، عدد خاص حول نشوء وتكون الطبقة العاملة في البلدان العربية ،المدير المسؤول حسين مروة ،سكرتير التحرير: محمد دكروب

  الباحث المغربي عبيد الطيف المنوني أصدر عام 1979 كتابا بعنوان «الحركة النقابية في المغرب» (باللغة الفرنسية). والكتاب بالأصل هو أطروحة دافع عنها المؤلف في جامعة غرونوبل بفرنسا ونال على أساسها درجة دكتوراه دولة في القانون العام والعلوم السياسية. والكتاب ليس مجرد عرض تاريخي لنشوء وتطور الحركة النقابية في المغرب. بل هو يتضمن طروحات نظرية ومحاولة رؤية للقوانين الخاصة التي يعتقد المؤلف أنها تتحكم في هذا التطور. ثم محاولة تلمس حركة هذه القوانين والخصوصيات، في التاريخ الملموس للحركة العمالية والنقابية.

  والمؤلف في محاولته هذه يطرح وجهة نظر ترى أنه كان من الضروري. ومنذ البداية، النضال في المغرب من أجل تكوين حركة نقابية مستقلة عن اتحاد النقابات الفرنسية (س.ج.ت) حتى تتمكن من الإسهام في النضال الوطني العام للتحرر من سيطرة الامبريالية الفرنسية. وبهذا الضوء يرى خطأ في موقف العناصر الاشتراكية التي كانت ترى، في تلك المرحلة ضرورة الربط بين نضال العمال المغاربة والعمال الفرنسيين في المغرب. وفي فرنسا، ضد سلطة الرأسمال والنظام الامبريالي –ولعل وجهة نظر المؤلف هذه لا تزال تحتمل المناقشة. خصوصا من قبل الحركة الاشتراكية التقدمية في المغرب.

  وإننا إذ نقدر الجهد النظري والمعرفي الذي بذله الباحث عبد الطيف المنوني في كتابه هذا، ونقدر تأكيده المستمر على كونه يناقش مواقف العناصر الاشتراكية الأولى في المغرب من وجهة نظر تأخذ بالاشتراكية العلمية. فإن نشرنا لهذا الفصل من دراسته –وقد نقلناه عن مجلة (الثقافة الجديدة) المغربية، العدد 13 العام 1979، استكمالا لموضوعات عددنا الخاص هذا –لا يعني بالضرورة أننا نتبنى وجهة النظر التي يبديها الباحث. بل يعني أننا نحترم جهده البارز في دراسة موضوع هام لا تزال دراسته في مرحلة المقاربات الأولية.  مجلة الطريق


نشاط الحركة النقابية-مرحلة الصراع بين الارستقراطية العمالية والاتجاه الوطني.

  إن نشأة كل حركة عمالية نقابية أو سياسية تقتضي توفير شروط موضوعية وذاتية في نفس الوقت، فالشروط الموضوعية تتلخص في وجود نمط من الإنتاج يرتكز على الفصل بين المنتج ووسائل الإنتاج، الشيء الذي يؤدي بالمنتج من أجل تجديد شروط عيشه إلى بيع قوة عمله، ولا يتأتى ذلك إلا في إطار الإنتاج الرأسمالي. ومن المعلوم أن هذا النمط من الإنتاج لم يعرفه المغرب إلا مع دخول الاستعمار إلى بلادنا ابتداء من سنة 1912.

  أما الشروط الذاتية التي طبعت الحركة النقابية في المغرب فإنها تتمثل في رصيد من تقاليد التنظيم النقابي الأوروبي، وخاصة منه الفرنسي. لقد نشأت الحركة النقابية بالمغرب أول مرة بواسطة العمال الأجانب، وخاصة منهم الفرنسيين، في إطار المنظمة الأساسية النقابية في فرنسا وهي (س.ج.ت.) إذ تأسس في سنة 1930، وبحضور ل. جوهو، الكاتب العام لـ(س.ج.ت.) فرع بالمغرب لهذه المنظمة، ضم في بدايته ثماني نقابات تنتمي أغلبيتها إلى قطاع الوظيفة العمومية وقطاعات أخرى كالقطاع الخاص (صناعة التغذية، الموانئ، الخ) والمصالح ذات الامتياز. ولكن المهم في الأمر هو أن هذه الحركة النقابية لم تكن مجرد استمرار جغرافي وتنظيمي لـ(س.ج.ت.) الفرنسية، بل كانت تختلف عن هذه الأخيرة من ناحية القاعدة الاجتماعية التي تنظمها، وكذا بالرجوع إلى التوجيه السياسي الذي تبناه مؤتمر 1930 بالمغرب. فأغلبية العمال الفرنسيين والأجانب المتواجدين في بلادنا إذاك كانوا يشكلون ارستقراطية عمالية، سواء بالنسبة للعمال الفرنسيين الموجودين في فرنسا أو بالنسبة للنواة الأولى من العمال المغاربة، إذ كانوا يتمتعون بعدة امتيازات تفسر ارتباطهم بالنظام الاستعماري كنظام. وقد ظهر ذلك من خلال الملتمسات الصادرة عن مؤتمرهم التأسيسي حيث ركزوا على ما أسموه «بالدور الحضاري لفرنسا بالمغرب» وكذلك «الدور الحضاري للعمال الأجانب» بالنسبة للعمال المغاربة بالخصوص، على مستوى التأطير في المهنة أو التأطير النقابي ومن المعلوم أن هذه الحركة النقابية، رغم النضالات الواسعة التي قامت بها سنة 1936 بفضل المساهمة الفعالة للعمال المغاربة، لم تطالب قط بتصفية التميز الموجود بين العمال الأوربيين والمغاربة على الخصوص في ميدان الأجور، كما أنها لم تطالب أيضا بتجربة تكوين النقابات، بل كانت تركز على ضرورة إعطاء الحق النقابي على مستوى فردي، أي الحق لكل عامل مغربي بالانضمام إلى (س.ج.ت.) الفرنسية. وهذه المواقف ساعدت سلطات الحماية وأرباب المعامل في مخططهم القاضي برفض الحق النقابي المطلق للمغاربة (إنشاء منظمات نقابية)، ففي سنة 1930 لم تقر السلطات الاستعمارية إلا بحق العمال الأجانب في تكوين النقابات، وفي سنة 1938، وبعد الإضراب المشهور الذي قام به الفوسفاطيون المغاربة في اليوسفية، أصدرت هذه السلطات نفسها قوانين تقضي بمعاقبة أي عامل أجنبي ساعد أو حرض عاملا مغربيا على الدخول إلى منظمة نقابية. وهذا ما كان يسمى «بالجنحة النقابية».

  وقد دخلت في هذا الإطار سلطات الحماية ومنظمات أرباب المعامل في عملية تكوين تنظيمات مهنية تابعة لها على أسس قبلية تهدف إلى صرف العمال المغاربة عن إنشاء منظمات نقابية، ففي سنة 1930 لم تقر السلطات الاستعمارية للعمال المغاربة بإنشاء النقابات. والحقيقة أن العمال المغاربة اتجهوا إلى العمل النقابي وإلى التنظيم العمالي بواسطة نضالهم ضد شروط العمل القاسية، وضد التمييز في الأجور، وضد الحيف النقابي. ولهذا كان التقاؤهم طبيعيا مع الحركة الوطنية التي كانت أول حركة طالبت في سنة 1934 في إطار «مطالب الشعب المغربي»، بحق العمال المغاربة في تكوين نقابي موحد. وفي سنة 1936 ظهرت موجة واسعة من الانخراطات النقابية داخل (س.ج.ت.) من طرف العمال المغاربة، إبان النضالات النقابية التي انطلقت من معمل «كوسيمار» في الدار البيضاء لتصل إلى أغلبية القطاعات الاقتصادية كمناجم الفوسفاط في خريبكة ومناجم جرادة. وهكذا أصبحت هذه المنظمة تضم في سنة 1930 أكثر من 20000 عضو مغربي وتتسع إلى عشر اتحادات محلية وتضم 97 منظمة نقابية. وفي سنة 1938، إذا اقتصرنا فقط على النقابات الفوسفاطية، فإننا نلاحظ أنها تضم 20000 عضو مغربي. وفي نفس الوقت بدأت (س.ج.ت.) تولي بعض الاهتمام إلى تكوين الأطر النقابية المغربية، وكانت هذه التطورات بالفعل هي التي حولت (س.ج.ت.) من منظمة فرنسية لا علاقة لها بالواقع المغربي، تضم منخرطين قلائل، إلى منظمة واسعة النفوذ تتمكن من الضغط بفاعلية على السلطات وأرباب المعامل. ولكن هذه التطورات لم تغير في نفس الوقت شيئا من مواقف النقابة ومن التوجيه السياسي للارستقراطية العمالية، وهذا ما يفسر النجاح السياسي الذي كلل عمل الحركة الوطنية في صفوف الطبقة العاملة المغربية، حينما أصدرت الكتلة الوطنية سنة 1936 كتبيا حول نضالات العمال المغاربة، وكان الحزب الوطني سنة 1937 هو أول هيئة تقدم على تكوين منظمة نقابية مغربية صرفة.
والخلاصة أننا نجد في سنة 1938، أي قبل سنوات قليلة من الحرب العالمية الثانية، حركة عمالية مغربية في حالة تحول، تحت ضغط تناقضاتها الداخلية، وعلى الخصوص من جراء الصراع المتواجد داخلها بين اتجاه استعماري أو شبه استعماري تقوده الارستقراطية العمالية، التي كانت، رغم تعطافها العلني مع الاشتراكية، تعمل موضوعيا على تحريك العمال المغاربة في اتجاه يقبل بالنظام الاستعماري الضروري لاستمرار امتيازات هذه الارستقراطية، ولكن النضال الخاص بهذه الطبقة العاملة المغربية داخل النضال الوطني خلق اتجاها ثانيا يريد أن يجعل من الحركة النقابية عنصرا ممن العناصر التي تساهم في انعتاق الشعب المغربي وتحره، وكانت لا ترى حلا للمشاكل التي يعاني منها العمال المغاربة من حيف في الأجور إلا في إطار إنهاء الاستعمار. ومع اندلاع الحرب العالمية الثانية وما واكبها من تحولات سياسية على الصعيدين المغربي والدولي، عرفت الحركة النقابية نفسها تغيرات سياسية وتنظيمية ظهرت مع بروز (س.ج.ت.) الفرنسية، وفي شكل جديد ابتداء من سنة 1943، تحت اسم «الاتحاد العام للتنظيمات النقابية المتحدة بالمغرب».

  والمعطيات الجديدة التي ظهرت داخل الحركة النقابية لبزوغ هذا التنظيم هي سياسية وتنظيمية ونقابية.

    + فعلى الصعيد السياسي كانت، خلافا لما كان فرع (س.ج.ت.) قبل الحرب العالمية الثانية، تسيرها أغلبية من العناصر الشيوعية، وقد حاولت إدخال بعض التغييرات على الخطة السياسية التي كانت قد تبنتها (س.ج.ت.) بالمغرب سلفا، ولكنها تغييرات في مجملها شكلية، وهكذا بدأت تنادي بضرورة الاعتراف بحقوق الأمة المغربية وبالمساواة بين الأميتين المغربية والفرنسية، كما أنها كانت تدعو إلى التضامن المشترك بين الشعبين المغربي والفرنسي من أجل انعتاقها من سيطرة الرأسمالية المستغلة، ولكن هذه الخطة وفي نفس الوقت بقيت منافية لاستقلال المغرب، إنها كانت تعتمد على فكرة خلق وحدة جغرافية وسياسية واسعة هي الاتحاد الفرنسي، على أساس أنه داخل هذا الاتحاد سنكون العلاقات بين الأمم مطبوعة بروح المساواة في ظل نظام تقدمي، وفي هذا المضمار سيكون النضال المشترك للشعبين المغربي والفرنسي وسيلة لتحقيق هذا الهدف. وبالطبع كانت هذه الخطة السياسية مغلقة بشعارات الأممية والتضامن البروليتاري، وفي الوقت الذي تنظر فيه الاشتراكية العلمية إلى استقلال الشعوب كأساس لكل تضامن أممي.

   + وعلى الصعيد النقابي، تخلت عن الدفاع عن سياسة التمييز في الأجور بين العمال المغاربة والعمال الفرنسيين وأصبحت ترفع شعار «أجرة واحدة لنفس العمل» وفي هذا الإطار قامت في سنة 1944 حتى غاية 1937 بنضالات واسعة أكسبتها انخراطات عديدة من طرف العمال المغاربة نتيجة غلاء المعيشة والمطالبة بالزيادات في الأجور. وقد تمكنت بالفعل من الحصول على زيادة مهمة في الأجور تقدر بـ 45 في المائة في سنة 1945، وبـ 25% في سنة 1946، و 10% سنة 1947.

   + أما على الصعيد التنظيمي، فإنها شجعت دخول العمال المغاربة في العمل النقابي، وأعطتهم مسؤولية حتى على مستوى القيادة، ولكنها في نفس الوقت استمرت بطريقة أو بأخرى تكافح ضد تكوين منظمة نقابية وطنية وتعتبر هذا العمل تقسيما للطبقة العاملة.

  ورغم هذا النشاط، وكذا النتائج المحرز عليها، فإن ugscm كانت بمثابة  منظمة تسعى إلى إدماج العمال المغاربة في إطار غير وطني، وهي بعملها هذا كانت موضوعيا تقف في صف مخالف لصف حركة التحرر الوطني التي انبثقت في شكل جديد انطلاقا من سنة 1944 وهو حزب الاستقلال الذي استمر في عمله وسط الطبقة العاملة من أجل إذكاء وعي وطني وتوسيع نفوذ النقابات الوطنية السرية. وأمام النجاح الذي كانت تلقاه، وأمام وقوف سلطات الحماية بجانب المنظمة النقابية المؤطرة من طرف الفرنسيين ومن جراء استمرار الحماية في رفض الحق النقابي المطلق للمغاربة قرر حزب الاستقلال ابتداء من سنة 1947 دفع نقاباته للانخراط الجماعي داخل (س.ج.ت.) وما مرت سنتان حتى أحرز النقابيون الوطنيون بفضل خطهم الصحيح المبني على إعطاء الأولوية للنضال الوطني والسياسي، على الأغلبية داخل (س.ج.ت.).

  وفي سنة 1951 توصل المؤتمرون الوطنيون، في المؤتمر الرابع لـ(س.ج.ت.) إلى فرض المصادقة على ملتمس يقرر فيه المؤتمر تكوين منظمة نقابية مغربية مفتوحة لجميع العمال ومستقلة تمام الاستقلال عن (س.ج.ت.) الفرنسية، على أساس أن هذه المنظمة ستكون الأداة المثلى لمساهمة فعالة للطبقة العاملة بجانب الجماهير المغربية الأخرى في النضال من أجل التحرر الوطني والتقدم الاجتماعي، وكان هذا الملتمس هو اللبنة الأولى التي ستؤدي على تكوين الاتحاد المغربي للشغل...

ميلاد الاتحاد المغربي للشغل وفترة التعاون بين حركة التحرر الوطني والحركة العمالية

  إن الاتحاد المغربي للشغل جاء نتيجة مسلسلين متكاملين، المسلسل النقابي والمسلسل السياسي.

    + المسلسل النقابي: ونعني بذلك الصراع بين الإطارات النقابية الوطنية من جهة، وبين العناصر النقابية الفرنسية، والعناصر الشيوعية المغربية التي كانت تساندها من جهة ثانية. وهذا الصراع في عمقه صراع بين العناصر التي كانت تريد أن تجعل من الحركة النقابية المغربية أداة للانعتاق الوطني الاجتماعي، مرتكزة على أنه لا حل للمشاكل النقابية بدون استقلال المغرب، وبين العناصر التي كانت تريد أن تجعل من الحركة النقابية مجرد وسيلة للتعاون بين الطبقة العاملة المغربية والطبقة العاملة الفرنسية، وبالتالي تعتبر أنه لا حل لمشاكل العمال المغاربة بدون تحرير الطبقة العاملة الفرنسية من سيطرة رأس المال واستغلاله، وبدون تكوين الاتحاد الذي كان على المغرب أن يندمج فيه كأمة مستقلة تتمتع بنفس الحقوق التي تتمتع بها الأمم الأخرى التي تنتمي إلى هذا التجمع. وقد اكتسى هذا الخلاف شكل صراع من أجل تكوين منظمة نقابية مستقلة عن (س.ج.ت.) وبعد نضال شاق تمكن النقابيون الوطنيون المغاربة، في سنة 1951، من فرض بعض منهم في قيادة اتحاد النقابات الموحدة، وهذه العناصر هي الطيب بوعزة والتباري، وفي سنة 1952، استفادوا من الأغلبية الوطنية داخل المؤتمر ليجعلوا هذا (التجمع) يصادق على ملتمس يقرر تكوين منظمة نقابية مغربية مستقلة عن كل تأثير أجنبي، وقد اضطر النقابيون الفرنسيون وحلفاؤهم الشيوعيون المغاربة إلى مساندة هذا المطلب، ولكن أحداث كانون الأول 1952 المعروفة، والتي تلاها حل اتحاد النقابات الموحدة بالمغرب حالت دون تنفيذ المطلب، ولهذا لم يتكون الاتحاد المغربي للشغل إلا ثلاث سنوات بعد هذا الحدث، وستترك ظروف سياسية دقيقة بالغ الأثر على تكوينه.

   + إن الاتحاد المغربي للشغل هو أيضا نتيجة مسلسل سياسي. لقد تكونت المقاومة المغربية أول ما تكونت بشكلها المسلح في المدن المغربية، وفي سنة 1955 كانت هذه المقاومة قد عرفت توسعا جعلها تسيطر في بعض المدن على بعض الأحياء الشعبية، وبدأ قادتها يفكرون في توسيع المعارضة للنظام الاستعماري في البادية، وكذلك في المدن بتنظيم الطبقة العاملة على الصعيد المهني، وجعل هذا التنظيم، حلقة من حلقات حركة التحرر الوطني، التي كانت تتكون إذاك من حركة المقاومة وجيش التحرير الذي بدأ ينظم بعض عملياته المسلحة. ولهذا فإن الاتحاد المغربي للشغل كان في الحقيقة نقطة لقاء بين هذين المسلسلين، إذ عندما خرج النقابيون من السجن بدأوا تنظيم الخطوات الأولى من أجل تكوين الاتحاد المغربي للشغل بتنسيق تام مع عناصر المقاومة، وفي مارس-آذار 1955، وفي حي شعبي كانت تراقبه المقاومة وهو حي بوشنوتوف، وقع اجتماع المؤتمر التأسيسي للاتحاد المغربي للشغل الذي كان يضم ممثلين عن 15 تنظيما نقابيا مغربيا.

  ولهذا نرى أن الاتحاد المغربي للشغل في الحقيقة جاء نتيجة كفاح قامت به الجماهير المغربية داخل حركة التحرر الوطني، من أجل الانعتاق السياسي، فلم يكن الاتحاد المغربي للشغل عند نشوئه منظمة تدافع فقط عن المطالب المحدودة للطبقة العاملة المغربية ولكنها تساهم كنعصر أساسي في الكفاح من أجل تحرير الشعب المغربي أو بصفة أخرى، كانت تدافع عن حقوق العمال عن طريق مساهمتها في النضالات العامة. ومن هنا جاءت ضرورة التعاون والتنسيق والالتحام بين الحركة النقابية والحركات الأخرى داخل حركة التحرر الوطني التي كانت إذاك تمثل في يسار حزب الاستقلال وجمعية المقاومة وجيش التحرير المغربي.

  وانطلاقا من هذا المؤتمر كان من الضروري بالنسبة للحركة النقابية أن تستفيد استفادة من تعاونها مع المقاومة المغربية، حيث أنها كانت تضم بعد بضعة شهور من نشوئها، أي في كانون الأول 1955، ما لا يقل عن 300000 عضو، في الوقت الذي كانت توجه كل مجهوداتها لتكتسب في ذلك التاريخ 100000 عضو. وبما أنه كان عليها، مع رجوع محمد الخامس والزعماء المنفيين، أن تكمل تنظيماتها، قبل أن يسترجع يمين حزب الاستقلال نفوذه، فقد بدأت في كثير من الأحيان، وبدون سابق تحضير، وفي ظرف وجيز، في بناء جامعاتها، واتحاداتها المحلية. وهكذا أنشأت وفي بضعة شهور ما لا يقل عن 15 جامعة إضافة لجامعة السكك الحديدية، تلك الجامعة الوحيدة التي وقع تكوينها قبل الاستقلال. وكان هذا العمل في الحقيقة لا يستجيب فقط لضرورات نقابية وتنظيمية محضة، ولكنه يدخل ضمن الصراع العام بين العناصر التقدمية والوطنية المتمثلة إذاك في بعض العناصر من قيادة حزب الاستقلال، كالمهدي بن بركة وعبد الرحيم بوعبيد، وعناصر المقاومة، وهو صراع يدور من أجل السيطرة على حزب الاستقلال من الداخل، من أجل فرض تغييرات جذرية في السياسة الاجتماعية والاقتصادية للحكومات في عهد الاستقلال، وفي هذا الإطار، كان الاتحاد المغربي للشغل يرفع نفس الشعارات التي كانت العناصر اليسارية، والجمعية المغربية لأعضاء المقاومة وجيش التحرير تدافع عنها، وهذه الشعارات تتلخص في سن ديموقراطية حقة بواسطة اجتماع مجلس تأسيسي لوضع دستور للبلاد، وإصلاح زراعي جذري، وتطهير الإدارة من الخونة والمتواطئين مع الاستعمار، وتصفية القواعد الأجنبية في المغرب،وكذا مساندة حركة التحرير الجزائرية. وكان هذا التنسيق بين الحركة النقابية وحركة المقاومة ويسار حزب الاستقلال يتخذ أشكالا أخرى:

   أولا: ارتباط تنظيمي يبرز على الخصوص في وجود عناصر المقاومة داخل التنظيم النقابي وحتى على صعيد القيادة، تخص هنا بالذكر، الورزازي، الجبلي. كما أن مقر الاتحاد المغربي للشغل الحالي في مراكش قدمته المقاومة وعناصر جيش التحرير في الجنوب إلى الاتحاد المغربي للشغل في بداية الاستقلال. ولم تقتصر هذه الارتباطات التنظيمية على شكلها النقابي، بل استمرت داخل حزب الاستقلال، عن طريق المجلس الوطني لهذا الحزب، وعلى الخصوص، داخل اللجنة الوطنية لحزب الاستقلال، حيث وقع التنسيق في القضايا الأساسية، وكان من أعضاء هذه اللجنة الوطنية، المهدي بن بركة، عبد الرحمن اليوسفي، عبد الرحيم بوعبيد، عبد الله إبراهيم، المحجوب بن الصديق.

   ثانيا: تنسيق فعلي، حيث أن الاتحاد المغربي للشغل، منذ سنة 1957، وعلى الخصوص بعد ما ظهرت مؤامرات لتصفية جيش التحرير وحركة المقاومة، بدأ يدافع عن استمرار وجود جيش التحرير، وعلى ضرورة بقاء الأسلحة في حوزته، وقد أدى هذا الدفاع إلى تكوين جيش تحرير الجنوب، الذي دخل في نضال ضد الوجود الاسباني في مناطقنا الصحراوية التي لم تفز بالاستقلال آذاك.

   كما أن الاتحاد المغربي للشغل، في هذه الفترة، وبتنسيق مع المنظمات الوطنية الأخرى والتقدمية، نذكر منها على الخصوص الاتحاد الوطني الطلبة المغرب والاتحاد الوطني للقوات الشعبية، قام بكفاحات ومظاهرات واسعة، على الخصوص من أجل مساندة الجزائر، كما انه نظم إضرابات على الصعيد الوطني لمناطق البواخر المخصصة لحمل الجيوش الفرنسية من المغرب إلى الجزائر.

   وبالمقابل فإن حركة المقاومة وجيش التحرير، وعلى الخصوص العناصر التي احتلت مناصب في السلطة، كعمال وقواد ممتازين وقواد، ساعدت الاتحاد المغربي للشغل على إثبات تنظيماته على الخصوص، في البداية المغربية، وبالضبط في أوساط العمال الزراعيين والفلاحين المغاربة، وكذلك في صفوف عمال المناجم بالنسبة للجنوب، ونكتفي هنا بذكر الذي لعبه العامل المكناسي.

   نرى أن في مجموع هذه الفترة عملا وحدويا أدى إلى صهر الحركة النقابية داخل الحركة التقدمية المغربية، المتمثلة على الخصوص في يسار حزب الاستقلال والمقاومة المغربية وجيش التحرير. وأن هذه العناصر بالضبط هي التي مكنت بفضل ضغوطها وتواجدها في الحكم، من أن تجعل الاتحاد المغربي للشغل يقاوم المحاولات الانشقاقية الرجعية التي كانت تريد النيل من وحدة الطبقة العاملة كمحاولة جوريو مثلا سنة 1956.

   وقد أدى هذا التحالف إلى انتزاع مكاسب مهمة بالنسبة للحركة النقابية، على الصعيد التنظيمي، والصعيد المطلبي، فجاء ظهير 19557 حول النقابات يعترف بالحق النقابي للعمال المغاربة قاطبة ويحرم الأجانب من هذا الحق. كما أن ظهائر أخرى سنة 1957 و1959 جاءت لتقرر في الاتفاقيات الجماعية، وفي الضمان الاجتماعي، وفي السلم المتحرك للأسعار، والأجور. وعلى سبيل المثال، إذا أخذنا القطاع الفلاحي، نجد أن الاتحاد المغربي للشغل في بداية الاستقلال كان يملك نفوذا واسعا في البادية المغربية لا يمثل فحسب وجود جامعة متفرغة في كل أنحاء المغرب، ولكنه فرض على المعمرين الفرنسيين، ولأول مرة في تاريخ المغرب، المصادقة على اتفاقيات جماعية في صالح عمالهم المغاربة. ووجود الاتفاقيات الجماعية في القطاع الفلاحي ظاهرة فريدة من نوعها حتى في الأقطار المتقدمة، وما كان بالإمكان الوصول إلى هذه النتيجة لولا التعاون والتنسيق والمساندة، المتبادلة بين الاتحاد المغربي للشغل، والفصالئ الأخرى الطليعية في حركة التحرر الوطني، مثال آخر على هذا الإشعاع هو تكوين اتحاد وحدوي سنة 1958 يضم جميع فدراليات الوظيفة العمومية، بما فيها جامعة الفلاحة وكان يضم ما لا قيل عن 15 جامعة وكان يرأسه إذاك المذكوري. ومثال أخير هو النفوذ والاحترام اللذان كان يساهم بهما الاتحاد المغربي للشغل على الصعيد الخارجي، والمساهمة الفعالة التي كانت للمنظمة العمالية في توجيه سياسة مغربية، حيث أن الكاتب العام والكاتب العام بالنيابة قد شاركا على التوالي في الوفود التي كانت تمثل المغرب، في الأمم المتحدة، ودافع على التوالي عن قضية الجزائر وقضية فلسطين. وأمام هذا الإشعاع وهذا التواجد عمد الحكم إلى نهج خطتيه:

   1) الخطة الأولى: تقسيم الحركة النقابية، وذلك بتشجيع تكوين نقابات مضادة للاتحاد المغربي للشغل في تشرين الأول 1956 عن طريق هاشم أمين، ومحمد جوريو، وفي سنة 1957، تشجيع تكوين رابطة التعليم، وفي سنة 1960 تكوين الاتحاد العام للشغالين بالمغرب. ولكن هذه المحاولات لم تمس تمثيلية الاتحاد المغربي للشغل كما ظهر ذلك جليا في الإضراب الناجح الذي قام به الاتحاد المغربي للشغل يوم 20 آذار/مارس 1960 كرد فعل ضد تكوين الاتحاد العام للشغالين، كما أن المواجهة القاسية التي بدأت تقوم بها السلطة من أجل تصفية التنظيمات النقابية في البادية، لم تعط أي نتيجة.

   2) الخطة الثانية: فك الارتباط بين حركة التحرر الوطني والحركة النقابية والضغط على الاتحاد المغربي للشغل من أجل أن يقتصر على العمل النقابي، وهذا الضغط يأخذ في أغلب الأحيان شكل تهديد للحركة النقابية بانتزاع بعض الحقوق التي حصلت عليها بعد الاستقلال، والتي كانت تساعدها في التسيير النقابي، كالاعتمادات والبرص والانقطاعات، وهذا الضغط كان يمارس على الخصوص في أيام الأزمة والصراع بين الحكم والحركة التحريرية التي يشملها يسار حزب الاستقلال: تشرين الأول 1956-1958.
وقد استمرت هذه السياسة إلى غاية 1961، حيث أن التغييرات السياسية، المتمثلة على الخصوص في عزل العناصر التقدمية الحكومية، وبداية التراجعات عن مبادرة سياسة الاستقلال الوطني، أدخلت الحركة النقابية، ملتحمة مع حركة التحرر الوطني، في نضالات واسعة، فكان قرار الإضراب العام المتخذ من طرف الجامعة الوطنية للموظفين، المنضوية تحت لواء الاتحاد المغربي للشغل، وذلك من أجل تحقيق المطالب الأساسية التالية:

   الزيادة في الأجور.
   الاعتراف بحق الإضراب بالنسبة للموظفين.
   اجتماع المجلس الأعلى للوظيفة العمومية.

   وكان من المقرر أن يشن هذا الإضراب في 19 حزيران/يونيو 1961. وقد وقع تحضيره في جو من الحماس في كل من نقابات البريد، والشؤون الخارجية، والأشغال العمومية، ووكالات توزيع الماء والكهرباء، والإذاعة. ولكن الوعود التي أعطاها الحكم للاستجابة لبعض المطالب النقابية دفعت بالجهاز النقابي للتدخل من اجل تأجيل الإضراب إلى كانون الأول/دجنبر 1961، واستغل الحكم مهلة صيف تلك السنة للدخول في مفاوضات مع الجهاز النقابي، وبالضغط عليه، ملوحا بأنه إذا لم يقع التراجع النهائي عن إضراب الموظفين سيتخذ إجراءات صارمة، تتلخص بالأساس في إرجاع المنقطعين النقابيين إلى عملهم، وفي إشراك برص الشغل بين الاتحاد المغربي للشغل والاتحاد العام لشغالين، الذي وقع إنشاؤه سنة 1960، والتراجع عن المنح والتسهيلات التي كانت تعطي للنقابة. وكان على القيادة النقابية، في الحقيقة، أما أن تختار الاستمرار في خطة النضال من أجل تصفية رواسب الاستعمار في بلادنا واستكمال تحرره، أو تكتفي ببعض التسهيلات التي كانت تتمتع بها النقابة وبالتالي أن تقبل الخروج من صف التضامن مع الفصائل الأخرى لحركة التحرر الوطني. وقد اختار الجهاز النقابي هذه الخطة الأخيرة وضغط بكل إمكانياته ونفوذه على الجامعات من اجل توقيف الإضراب الذي كان قد شنته بعض منها، كالبريد، والفلاحة، والشؤون الخارجية، ووقع توقيف الإضراب بدون أن يتحقق أي مطلب أساسي من المطالب التي نادت بها الحركة وبدون أن تتحرك قطاعات عمالية أخرى من أجل التضامن، بل على العكس من ذلك، إذ كان توقيف الإضراب بداية الإعلان عن تسريحات في عدد من الإدارات، كان هذا الصراع هو المناسبة التاريخية الأولى للظهور العلني داخل الحركة الوطنية لتيار تقدمي يناضل ضد تراجع القيادة النقابية، وضد فك الارتباط بين حركة التحرر الوطني والحركة النقابية، وكان على رأس هذا التيار الشهيد عمر بنجلون الذي لعب دورا أساسيا ليس فقط على الصعيد التنظيمي، كقائد نقابي، ولكن أيضا على مستوى التنظير.

مرحلة الجمود وتقلص النفوذ النقابي

   انطلاقا من سنة 1961 دخلت الحركة النقابية بإرادة قيادتها فيما سمي بسياسة الخبز، وهي سياسة تريد الفصل بين النضال السياسي والنضال النقابي. وحتى بالنسبة للنضال النقابي فإنها تعتمد على الإضرابات المحدودة، وعلى الحركات الخالية من المطالب السياسية الأساسية، هذه السياسة تعد، في الحقيقة، على مستوى العمل النقابي، استقالة للحركة النقابية من مسؤولياتها الأساسية، ودخولا في خطة تهدف إلى تحييد الطبقة العاملة المغربية وتهميشها سياسيا، بعد أن لعبت دورا حاسما في معركة الاستقلال السياسي، وهي في نهاية التحليل سياسة تهدف إلى جعل العمل السياسي عملا تحتكره البرجوازية والطبقات الحاكمة الأخرى. ولهذا فإن هذه السياسة، رغم الشعارات البراقة التي كانت دائما غلافا لها، تخدم في بلادنا وبطريقة موضوعية النفوذ الامبريالي والرجعي وتتنكر للمبادئ الأساسية التي نشأت على أساسها حركة 20 آذار 1955.

   أدت هذه السياسة في الميدان النقابي إلى تخريب التنظيمات وإلى تفككها وإلى عزل المنظمات والأطر النقابية. فالتراجع عن النضالات الواسعة يعني ضمنيا التراجع عن التنسيق والتضامن، وبالتالي اضمحلال التنظيمات التي تسعى إلى هذا التنسيق وإلى التضامن وتوسيع الكفاحات، وهي بالأساس الجامعات والنقابات الموحدة في القطاع الخاص. وهكذا لم تضمحل فقط الجامعات التابعة للوظيفة العمومية، التي كانت تشكل سنة 1961 اتحادا يضم 15 نقابة، ولكن اضمحلت جامعات أخرى لعبت دورا أساسيا في تأسيس الحركة النقابية في بلادنا كجامعات المناجم والمحروقات وكذا جامعات النسيج والمطاحن والسكر الخ. ولم تبق في النهاية إلا التنظيمات الصغيرة الضيقة المكونة على صعيد المعامل، والتي لا تقوم إلا بإضرابات عفوية محدودة خارج كل برنامج نضالي مضبوط ومحكم. وفي الأخير تحولت الحركة النقابية المغربية، التي كانت تعطي على صعيد افريقيا كمثال للتنظيم والوعي والالتزام، إلى بيروقراطية ثقيلة تربطها روابط واهية بوحدات نقابية ضيقة قاعدية. هذه الوضعية مكنت في السنوات الأخيرة هذه البيروقراطية من المناورة، ومن مراقبة التنظيمات، والاستمرار في سياستها القاضية بكبت الديموقراطية داخل التنظيمات، ولكنها وفي نفس الوقت أضعفتها على الصعيد الوطني ودفعتها لتقديم تنازلات أخرى إلى القوات الرجعية في بلادنا. وهذه النتائج يمكننا تلمسها من خلال بعض الأرقام:

   إذا أخذنا الأرقام الرسمية أو شبه الرسمية، التي تعطيها البورصة نفسها عن عدد المنخرطين داخل الاتحاد المغربي للشغل، فإننا نلاحظ تقلصا في قاعدة المنظمة النقابية، وهو تقلص تفاقمت حدته عبر السنين.
سنة 1957 نجد 600000 عضو
سنة 1959 نجد 650000 عضو
سنة 1960 نجد 600000 عضو
سنة 1963 نجد 400000 عضو
سنة 1965 نجد 300000 عضو
سنة 1970 نجد 200000 عضو
سنة 1975 نجد 200000 عضو

   وفي هذا العدد الأخير أدرجنا بالطبع المنخرطين داخل جامعة الطاقة الذي يقع تنقيبهم بواسطة الاقتطاع من الأصل.

   أما في يخص تمثيلية الاتحاد المغربي للشغل على صعيد المعامل وبالخصوص في القطاع الخاص ومن خلال الانتخابات المهنية فإننا نجد نفس الظاهرة، أي التقلص. فإذا أخذنا كمثال، القطاع الخاص، في مدينة الرباط، الذي كان ينظم في سنة 1970-1972 في أغلبيته داخل الاتحاد المغربي للشغل فإننا سنجد تنظيمات نقابية أخرى صورية، هدفها التشويش على العمل النقابي، قد تمكنت من التسرب إلى بعض المعامل، بل حصلت أكثر من ذلك في بعض المؤسسات المهمة أما على الأغلبية أو على نصف التمثيل. ونخص هنا بالذكر معمل لاصافط، مكتب الأبحاث والمساهمات المعدنية، ومعمل فيلروك للنسيج، ومعمل مطاحن الساحل، الخ. وقد فرضت هذه الظاهرة نفسها حتى على الذين تغنوا سنين متعددة بالنفوذ الواسع للجهاز النقابي داخل الطبقة العاملة وهذا ما ظهر من خلال بعض البيانات والافتتاحيات التي صدرت أخيرا في بعض أوساط اليسار المغربي.
أما على صعيد المكاتب النقابية فإن هذه السياسة التي كانت تهدف إلى الحفاظ على الخبز لم تتمكن حتى من بلوغ هذا الهدف البسيط. إن فصل النضال النقابي عن النضال السياسي التقدمي، تسبب في ضياع كثير من المكتسبات النقابية التي كانت في الحقيقة ليس فقط نتيجة النضال الخاص للطبقة العاملة، ولكنها نتيجة النضال العام الوطني والتقدمي ضد الامبريالية والرجعية الذي قام به الشعب المغربي داخل منظماته الجماهيرية. فعلى سبيل المثال، لا يطبق ظهير 1959 الخاص بالسلم المتحرك للأسعار، والأجور، كما وقعت تراجعات عديدة عن الحق النقابي، وعدد العمال المنضويين داخل المكتب الوطني للضمان الاجتماعي لا يتعدى ثلث العمال المغاربة. أما عدد العمال الذين تمكنوا من الانخراط في الصندوق المهني لتقاعد فإنه لا يزيد على 8%. وهنا لسنا في حاجة إلى التعرض إلى ظاهرة يعرفها الجميع وهي الزيادة المفرطة في المعيشة والنقص في القدرة الشرائية لجماهير العمال ضمن مسلسل التفقير الذي يعاني منه الشعب المغربي.

   ومن الناحية السياسية تريد سياسة الخبز أن تتحاشى السياسة، وفي الحقيقة هناك ممارسة سياسة تطابق سياسة الخبز وهي التي تخدم المصالح الرجعية والتي تعتمد على النضال ضد الحركة التقدمية داخل التنظيمات النقابية أو خارجها. إذن هناك تحول سياسي خطير داخل الحركة النقابية المغربية. وهناك تشتت للطبقة العاملة. وهذا التشتت وهذه التفرقة هما في الحقيقة نتيجة للنهج المعادي للطبقة العاملة الذي يسير عليه الجهاز البيروقراطي، ونتيجة مسلسل آخر، ذلك المسلسل الذي بدأ بفك الارتباط بين حركة التحرر الوطني وانتهى بتفكك التنظيمات النقابية وتلاشيها.

   والنقابات الوطنية التي ترتبط بحركة التحرر الوطني، والتي تكونت في خضم النضال ضد البيروقراطية ومن اجل ممارسة ديموقراطية داخل التنظيمات النقابية وضد الرجعية وهيمنة المصالح الامبريالية في بلادنا، تتوفر على شروط تجاوز تجربة الجهاز البيروقراطية الفاشل. عن مصاعب التجاوز كثيرة ويجب أن لا نتجاهلها وأن لا نستصغر أهميتها، فهي لا تنتج فقط عن تصرفات الجهاز الحاكم، ولكن عن العناصر الدوغمائية التي تكونت في الوقت الراهن واجهة سياسية ونقابية للبيروقراطية.

   علينا أن نساهم مساهمة فعالة ومتفائلة ومسؤولة داخل النقابات الوطنية. يجب أن نحافظ على استقلال هذه النقابات وأن نحترم طابعها الجماهيري وان نجعل منها أداة للنضال الطبقي في بلادنا من اجل التحرر الوطني والقضاء على استغلال الإنسان لأخيه الإنسان.

بقلم عبد اللطيف المنوني

التعليقات: 0

إرسال تعليق