الصفحات

الجمعة، 13 ديسمبر 2013

البيـــان الصـــادر عن المؤتمـر الوطنــي الخــامس للكونفدرالية الديمقراطية للشغل



 إن المؤتمر الوطني الخامس للكونفدرالية الديمقراطية للشغل، المنعقد أيام 29-30 نونبر و01 دجنبر 2013 بالقاعة المغطاة بالمركب الرياضي محمد الخامس بالدار البيضاء، تحت شعار : " التعبئة العامة من أجل الإصلاح الحقيقي" بعد وقوفه على طبيعة المرحلة التاريخية الجديدة التي دخلتها الإنسانية، المؤسسة على العولمة، واقتصاد السوق، وما أنتجه النظام الرأسمالي اللإنساني، من أزمة اجتماعية عالمية، قد تقود العالم إلى الأفق المسدود، وتهدد الاستقرار والأمن.
وفي سياق التوجهات الاستراتيجية للإمبريالية الجديدة، وآليات اشتغالها وأساليب عملها ومنطق فرضها في العالم، واستحضر المؤتمر الوطني الخامس الوضع بالتحليل والنقد ما تعرفه المجتمعات العربية من مخاض تاريخي خلخل أركان الدول ومؤسساتها، وأنعش الصراع القبلي والطائفي وأقحم الدين في منعرجات السياسة ومسالكها الملتوية، ليظل هذا الوضع مفتوحا على كل الاحتمالات بأفق غامض، في غياب العقل السياسي العربي المستوعب لطبيعة اللحظة وإشكالاتها الحضارية، وهو ما أدخل القضية الفلسطينية في منعطف تاريخي جديد، زادها تعقيدا، العراك الفاقد للمشروعية الديمقراطية، والشرعية التاريخية، لتظل الصهيونية المستفيد الأكبر.
ووعيا من المؤتمر الوطني الخامس بانعكاسات وآثار هذه المتغيرات على أوضاع بلادنا، وما يقتضيه ذلك من إعداد العدة لمواجهة تحديات المستقبل، فإنه وقف على مستلزمات تحصين الوحدة الترابية، واستكمال تحرير الأرض في الشمال وحل مشكل الحدود في الجنوب الشرقي، رابطا في ذلك بين صيانة الوحدة الوطنية في كل أبعادها الترابية والإنسانية والثقافية والحضارية، وبين الديمقراطية كضرورة وطنية وتاريخية حتمية.
وبعد وقوفه على الأزمة الاجتماعية المهددة للتماسك المجتمعي بفعل معاناة العمال وعموم المواطنين بخصوص التربية والتعليم والتطبيب والسكن والنقل، وغلاء المعيشة وضعف القدرة الشرائية.
وبعد المناقشة المسؤولة لأهم الإشكالات والقضايا التي تهم بلادنا، في سياقاتها الإقليمية والدولية فإنه:
أولا: يعبر عن قلقه تجاه ما تتعرض له الوحدة الترابية بأقاليمنا الجنوبية من مخطط معاد لحق المغرب في تحرير أراضيه من الاستعمار مثل جميع الدول، ويحمل الدولة الجزائرية المسؤولية الكاملة في قيادة هذا المخطط التآمري، ويدعوها إلى مراجعة أخطائها التاريخية، بمنظور يؤسس لبناء الاتحاد المغاربي كضرورة تاريخية، استجابة لانتظارات وآمال المجتمعات المغاربية في التنمية والتقدم والديمقراطية. كما يؤكد المؤتمر على أن تحصين الوحدة الترابية يتطلب أولا وأخيرا إقرار الديمقراطية الحقيقية بما يصون الحقوق الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية لعموم المواطنين، كي يتوفر شرط التعبئة الشعبية لمواجهة كل التحديات وهو ما يقتضي :
أ- تجاوز التدبير الانفرادي للدولة، واعتماد سياسة الإشراك الحقيقي للمجتمع كقوة  فاعلة للتصدي لخصوم وحدة التراب الوطني في الداخل والخارج. ووضع حد لفبركة نخب مفصولة عن الانشغالات الحقيقية للمجتمع وقضاياه، مع ما يفرضه الواقع من المراجعة الجذرية لطبيعة العلاقة الإدارية للسلطات الجهوية والإقليمية والمحلية مع الساكنة، للانتقال من الثقافة الريعية القائمة على الزبونية والامتيازات إلى ثقافة الشفافية والمساواة والعدالة وسيادة القانون.
ب- اعتماد مقاربة جديدة تسمح للساكنة بتدبير شؤونها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية بنفسها في إطار التنمية الشاملة لأقاليمنا الجنوبية.
وبخصوص الأراضي المستعمرة في الشمال، فإن المؤتمر يدعو الدولة إلى صياغة استراتيجية وطنية لتحرير سبتة وامليلية والجزر التابعة لهما، إذ لم يعد من المقبول أن تظل الأراضي المغربية مستعمرة من طرف اسبانيا في القرن ،21 ويوصي بضرورة التفاوض مع الجزائر الشقيقة حول ملف الحدود الجنوب شرقية.
ثــانيــا : يعتبر أن الوضع العربي وتطوراته المتسارعة والتدخل المكشوف للإمبريالية في صياغة خرائط اقتصادية وسياسية جديدة بما يحفظ مصالحها، والوضع الوطني الذي يشكو من أعطاب بنيوية، يحتم على الدولة مراجعة ذاتها بوعي تاريخي جديد، لبناء الديمقراطية الحقيقية، باعتبارها العامل الحاسم في تأمين المستقبل، وإرساء قواعد وأسس النهضة الوطنية التاريخية المأمولة، وهو ما يتطلب :
أ- المراجعة الشاملة والعميقة لمقتضيات ومضامين الدستور باعتباره أسمى تعاقد بين الدولة والمجتمع، فالدستور المراجع لفاتح يوليوز 2011 لم يترجم فعليا مضامين خطاب 9 مارس 2011 ولم يرق إلى بناء نظام سياسي ديمقراطي يضمن فصل السلط فصلا حقيقيا، يمكن بكل وضوح كل سلطة من القيام بالمهام والاختصاصات الموكولة لها، بمنظور يؤسس لنظام  سياسي يقوم على الملكية البرلمانية.
ب‌-  يؤكد المؤتمر بعد تقييمه للانتخابات السابقة وما شابها من فساد، وما لازم ذلك من تعطيل الدولة لكل القوانين والتشريعات بما فتح المجال للمفسدين في الانتخابات دون تقدير لانعكاسات ذلك على مستقبل المغرب، لذلك فإن الضرورة الوطنية تفرض إعادة النظر كلية في كل العناصر القانونية والإدارية والمرتكزات السياسية والفكرية المنظمة للعمليات الانتخابية برؤية تؤسس لبناء مؤسسات ذات مصداقية. ويعتبر أن الدولة تجسيد للإرادة العامة للأمة، لا يحق لها أن تنحاز لتوجهات سياسية معينة.
على مستوى قضايا المرأة:
فقد وقـف المؤتمر عند الحيف الذي تتعرض له المرأة سواء داخل العمل أو خارجه وقد أكد المؤتمر على ما يلي :
-  حماية المرأة من جميع أشكال العنف والتمييز .
-  صيانة حقوق المرأة بما تضمنه القوانين والمواثيق الدولية.
-  تفعيل الاتفاقيات الخاصة بحقوق المرأة.
-  نشر ثقافة المساواة ونبذ التمييز بين الجنسيين.
-  ضمان كامل للحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية، وفق الاتفاقيات والمواثيق التي تنص على ذلك.

ثــالثــا : وبخصوص القضية الفلسطينية التي تشكل انشغالا وطنيا ببعد قومي، فإن المؤتمر يدعو كل الفصائل الفلسطينية إلى وحدة الصف كشرط من شروط مقاومة الكيان الصهيوني، كما يدعو المنتظم الدولي إلى مراجعة توجهاته المنحازة في التعاطي مع القضية الفلسطينية، إنصافا للشعب الفلسطيني في إقامة دولته الوطنية المستقلة عاصمتها القدس الشريف، ويندد بمخططات الإمبريالية وأدواتها المحلية في تصفية القضية الفلسطينية.
والمؤتمر إذ يستنكر بقوة تمادي الصهيونية في سياستها الاستعمارية، فإنه يدعو تنظيمات المجتمع إلى دعم النضالات الشعبية الفلسطينية المقاومة للاحتلال، ومواجهة كل المحاولات الرامية إلى محوها من الذاكرة.
رابعـــا : ينبه إلى ما آل إليه الوضع الاجتماعي من اختلالات بنيوية، قد تهدد استقرار المغرب، بفعل التفاوتات المجالية والاجتماعية، واستمرار اقتصاد الريع، والإقصاء الاقتصادي، اتساع دائرة الفقر، وظاهرة البطالة وسد آفاق التشغيل، وضعف الخدمات الاجتماعية الأساسية،  والتسريحات الفردية والجماعية للعمال، وهيمنة اللوبيات المالية على خيرات وثروات البلاد، واستمرار نظام الامتيازات والريع وانعدام تكافؤ الفرص، والرشوة وضعف الأجور والتعويضات، والارتفاعات المهولة في أسعار المواد الغذائية، وضرب القدرة الشرائية والعلاقة المختلة بين الإدارة والمواطنين، وانسداد آفاق التعليم العمومي، والإجهاز على المكتسبات الاجتماعية، وتعليق المطالب المادية والاجتماعية والمهنية للطبقة العاملة المشروعة. وإدراكا من المؤتمر لصعوبة الوضع، فإنه يدعو الدولة إلى وضع إستراتيجية وطنية، واتخاذ التدابير والإجراءات الوطنية اللازمة لمعالجته بمنظور استباقي.
خـامسـا: يسجل العجز الحكومي في تدبير الشأن العام، وضعف ثقافة الإصلاح، والتعامل اللامسؤول تجاه مطالب وقضايا الأجراء وعالم الشغل، والمثير للانتباه هو تغييبها للحوار الاجتماعي الذي يعد المنهج الأسلم والطريق الأنجع لمعالجة المشاكل الاجتماعية، والاستجابة للمطالب العمالية المشروعة، وبقدر ما يدعو المؤتمر إلى الحوار فإنه يستنكر بقوة هذا التعامل الذي لا يخدم مصالح أطراف عالم الشغل والاقتصاد.
سادسا : وفي سياق اللحظة الوطنية الدقيقة، ومتطلباتها وحفاظا على المصالح الاقتصادية والاجتماعية للطبقة العاملة، فإنه يؤكد على التنسيق والدعوة إلى وحدة الصف النقابي كضرورة نضالية بأفق استراتيجي يحكمه النضال الديمقراطي من أجل التغيير.
سـابعـا: يعتبر أن مسألة اللغة تندرج ضمن الإصلاح الشامل للمنظومة التربوية التي تعيش أزمة عميقة، تتطلب إصلاحا حقيقا بإرادة سياسية وطنية قوية، ويرفض المؤتمر كل المحاولات التضليلية التي تختزل اللغة كمجال معقد مرتبط بالوحدة الوطنية وبالعلوم والتكنولوجيات الجديدة، وبالتاريخ والثقافة، في صراع مفتعل بين الدارجة واللغة العربية الفصحى.
ثامنـــا: يطالب بإطلاق سراح كافة معتقلي الرأي ووضع حد للمتابعات القضائية والتجاوزات والتعسفات التي تطال العمال وممثليهم ويدعو المسؤولين النقابيين وكافة المناضلات والمناضلين إلى التعمق في إدراك اللحظة التاريخية، والتسلح بالوعي المتجدد لفهم كل القضايا والتطورات المتلاحقة والمتسارعة التي تهم كافة المجالات سياسيا، اقتصاديا، اجتماعيا، وثقافيا، والعمل على تطوير التنظيم الكونفدرالي والارتقاء به لمجابهة كل تحديات المستقبل.

                                           المؤتمر الوطني الخامس للكونفدرالية الديمقراطية للشغل
                                                  29-30 نونبر و1 دجنبر 2013

التعليقات: 0

إرسال تعليق